للسنة أهمية كبيرة في حياة الأمة الإسلامية، فهي تحتل مكانة عظيمة في وجدان الأمة الروحي وبنائها الحضاري وكيانها المعرفي. أما في الجانب التشريعي فنجد للسنة دوراً جوهرياً؛ فهي تشكل مع القرآن الكريم مصدر الإسلام وينبوع الشريعة.
ولقد أنزل الله القرآن الكريم نصوصاً عامة وقواعد مجملة تهدف إلى تحقيق سعادة الناس ورعاية مصالحهم في الدنيا والآخرة وجاءت السنة بياناً للقرآن الكريم وتطبيقاً عملياً لما فيه شاملةً ومعالجةً لجميع جوانب الحياة البشرية.
ولقد تنوعت الجوانب التي شملتها السنة، تبعاً لتنوع الحاجات البشرية، واختلفت طبيعة معالجة السنة وتفاعلها مع تلك الحاجات بين الثبات والمرونة وبين الإجمال والتفصيل تبعاً لمتطلبات تلك الجوانب. فنجد في السنة –مثلاً- الأحكام العامة الثابتة المستقرة التي تتعلق بجوهر الحياة البشرية، والتي تحفظ للأمة شخصيتها وهويتها؛ كالعبادات والأخلاق وشؤون الأسرة وغيرها. ونجد في المقابل معالجةَ السنة لأحكام خاصة ليس لها طابع الدوام والثبات، وذلك استجابة للظروف التي عاشها الناس في عصر النبوة، والتي قد تختلف من زمان لآخر أو من بيئة لأخرى، تبعاً لحاجات الناس وظروف معيشتهم.
وقد وقع الاختلاف في مناهج الفهم لبعض الأحاديث النبوية من جهة دلالتها على الأحكام الشرعية بين العموم والخصوص أو بين التأقيت والتأبيد أو بين المرونة والثبات مما أدى إلى وجود بعض الأحكام - المبنية على فهم خاطئ – التي قد تخالف روح التشريع الإسلامي، أو قد تطعن في فاعليته وصلاحيته لكل زمان ومكان.
ومن هنا فقد جاء موضوع هذه الرسالة (السنة بين التشريع ومنهجية التشريع) ليسلط الضوء على موضوع في غاية الأهمية وهو: المنهجية التشريعية في السنة النبوية كإطار منهجي منضبط محكم جامع وناظم لكل ما صدر عنه r .
فالمتتبع والناظر في مجموع أحاديث النبي r يمكنه ملاحظة ذلك الإطار المنهجي الناظم الذي كان يخرج من مشكاة النبوة جامعاً هذه الأحاديث وما تفيدها من أحكام في نسق رائع من التوافق والانسجام، على الرغم من اختلاف الظروف وطول فترة الرسالة النبوية التي صدرت فيها هذه الأحاديث والتي تقارب ربع قرن من الزمان.
فأحاديث النبي r في مجموعها ترسم لنا منهجاً للنبي r في التشريع، قائماً على تطبيق شرع الله عز وجل في الظروف المختلفة بما يحقق غايات الشرع ومقاصده العامة وفق خطة منضبطة محكمة؛ قائمة على المحافظة على كليات ومقاصد وغايات الشريعة دون إهمال لجزئياتها، وعلى مراعاة الجزئيات دون إغفال للأصول والكليات.
إن ملاحظة المنهج النبوي في التشريع من خلال الآليات والضوابط التي كان النبي r يلفت نظرنا إليها عند بيانه للقرآن الكريم وتفصيله وتطبيقه كواقع معاش على الأرض يمكننا من فهم أدق وأعمق لدلالات أحاديثه r على الأحكام وتعطينا الضوابط في التفريق بين النصوص الثابتة التي يُقصد بها التكليف العام الدائم، وبين النصوص الخاصة أو المؤقتة بناء على علل وغايات وظروف معينة.
كما أن الانتباه للمنهج النبوي في التشريع يعطينا رؤية أشمل وأوسع وأحكم في التعامل مع القرآن الكريم والنهل من كنوزه واستلهام الحلول منه لما يستجد من تحديات الواقع المعاصر في مختلف الجوانب الحياتية.
النص الكامل
http://www.najah.edu/modules/graduates/graduates.php?hint=2&id=824&l=ar